فصل: تفسير الآية رقم (99):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الشعراوي



.تفسير الآية رقم (97):

{إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (97)}
هؤلاء هم الذين يظلمون أنفسهم بعدم المشاركة في الجهاد وهذا ما يحدث لهم عندما تقبض الملائكة أرواحهم. و(التوفي) معناه (القبض)؛ فيقال: (توفيت دَيْني) أي قبضته مستوفياً. ويقال: (توفي الله الإنسان) أي قبضه إليه مستوفياً. والقبض له أمر أعلى، وهو الحق. ومن بعد ذلك هناك موكل عام هو (عزرائيل) ملك الموت، وهناك معاونون لعزرائيل وهم الملائكة. فإذا نسبت الوفاة فهي تنسب مرة لله، فالله يتوفى: لأنه الآمر الأعلى، وتنسب الوفاة للملائكة في قوله: {حتى إِذَا جَآءَ أَحَدَكُمُ الموت تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا} [الأنعام: 61].
وتنسب الوفاة إلى عزرائيل. {قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الموت الذي وُكِّلَ بِكُمْ} [السجدة: 11].
وإذا ما أطلق الحق هذه الأساليب الثلاثة في وصف عملية الوفاة فهل هذا اختلاف وتناقض وتضارب في أساليب القرآن؟ لا، بل هو إيضاح لمراحل الولاية التي صنعها الله، فهو الآمر الأعلى يصدر الأمر إلى عزرائيل، وعزرائيل يطلق الأمر لجنوده. وفي حياتنا ما يشرح لنا هذا المثل- ولله المثل الأعلى- فالتلميذ قد يذهب إلى المدرسة بعد امتحان آخر العام ويعود إلى بيته قائلاً: لقد وجدت نفسي راسباً، والسبب في ذلك هم المدرسون الذين قصدوا عدم إنجاحي.
ويرد عليه والده: المدرسون لم يفعلوا ذلك، ولكن اللوائح التي وضعتها الوزارة لتصحيح الامتحانات هي التي جعلتك راسباً. فيرد التلميذ: لقد جعلني الناظر راسباً. وهذا قول صحيح؛ لأن الناظر يطبق القوانين التي يحكم بمقتضاها على الطالب أن يكون ناجحا أو راسبا. وقد يقول التلميذ: إن وزير التربية والتعليم هو من جعلني راسباً. وهذا أيضاً صحيح؛ لأن الوزير يرسم مع معاونية الخطوط الأساسية التي يتم حساب درجات كل تلميذ عليها، فإذا قال التلميذ: لقد جعلتني الدولة راسباً، فهو قول صحيح؛ لأنه فهم تسلسل التقنين إلى مراحل العلو المختلفة، وأي حلقة من هذه الحلقات تصلح أن تكون فاعلاً. ومن هنا نفهم أن الحق سبحانه حين يقول: {الله يَتَوَفَّى الأنفس حِينَ مَوْتِهَا} [الزمر: 42].
فهذا قول صحيح، مثل قوله سبحانه: {قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الموت الذي وُكِّلَ بِكُمْ} [السجدة: 11].
ومثل قوله سبحانه: {تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا} [الأنعام: 61].
كل هذه الأقوال صحيحة؛ لأنها تتعلق بمدارج الآمر.
{إِنَّ الذين تَوَفَّاهُمُ الملائكة ظالمي أَنْفُسِهِمْ} والظلم هو أن تأتي لغير ذي الحق وتعطيه ما تأخذ من ذي الحق، والظلم يقتضي ظالماً ومظلوماً وأمرا وقع الظلم فيه. فكيف يكون الإنسان ظالماً لنفسه وتتوفاه الملائكة على ذلك؟. لابد أنهم فعلوا ما يستحق ذلك. فساعة تأتي للإنسان الشخصية المعنوية الإيمانية بعد أن آمن بالله وآمن بالمنهج، ثم تحدثه نفسه بالمخالفة، هنا يواجه صراعاً بين أمرين: مسئولية الشخصية الإيمانية التي تَقَبَّل بها المنهج من الله، ووازع النفس التي تلح عليه بالانحراف.
ويدور ما هو أشبه بالجوار بين المسئولية الإيمانية ووزاع النفس الملح بالانحراف. وعندما تتغلب النفس الإيمانية يعرف الإنسان أن نفسه صارت مطمئنة وسعيدة، ويقول لنفسه: إنك إن طاوعت وازع الانحراف تكن قد حققت شهوة عاجلة ستكْوى بها في آخر الأمر، وأنت برفضك للشهوة تكون قد أنصفت نفسك. ولو طاوعت شهوتك العاجلة تكون قد ظلمت نفسك.
ومثل ذلك يحدث في حياتنا العادية: عندما تدلل الأم ابنها بينما يطلب منه والده الاستذكار ويحاول أن يردعه ليقوم بمسئوليته الدراسية، إن هذه الأم تظلم ابنها، وكذلك يعطينا الحق فكرة عن الصراع بين الشخصية الإيمانية والنفس الانحرافية التي تريد الهوى فقط فيقول: {واتل عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابني ءَادَمَ بالحق إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخر قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ الله مِنَ المتقين} [المائدة: 27].
هنا يقول هابيل لقابيل: ولماذا تقتلني؟. إنني لست أنا الذي تقبل القربان ولكن الذي تقبله هو الله فما ذنبي؟.
ويأتي بعد ذلك الحوار: {لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي ما أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إني أَخَافُ الله رَبَّ العالمين} [المائدة: 28].
ولنلتفت إلى هذا القول الحكيم: {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ} [المائدة: 30].
كأن هناك صراعاً في نفس قابيل بين أمرين (اقتل) و(لا تقتل)، النفس الإيمانية تقول: (لا تقتل) والنفس الشهوانية تقول: (بل عليك أن تقتل).
وتغلبت النفس الشهوانية عندما طوعت له قتل أخيه، ومهدت له ذلك. وبعد أن قتل أخاه، وضاعت شِرَّة الغضب صار من النادمين، ثم بدأت الحيثيات تظهر وتتضح. ويبعث الله غراباً يبحث ويحفر في الأرض ليواري جثة غراب آخر. هنا قال قابيل: {أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هذا الغراب فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي} [المائدة: 31].
وهكذا نرى أن ظلم النفس هو أن نخالف ما شرع الله للنفس لينفعها نفعاً أبدياً مستوفياً، ولكن النفس قد تندفع وراء حبها للشهوات وتمنيها للنفع العاجل الذي لا خلود له، وعندما يحقق الإنسان هذا النفع العاجل لنفسه فهو يظلم نفسه.
{إِنَّ الذين تَوَفَّاهُمُ الملائكة ظالمي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ} إذن فالملائكة تسأل ظالمي أنفسهم: {فِيمَ كُنتُمْ} أي في أي شيء كنتم من أمر دينكم؟ والاستفهام هنا للتوبيخ والتقريع أي لماذا ظلمتم أنفسكم؟ ولماذا لم تفعلوا مثلما فعل إخوانكم وهاجرتم وانضممتم لموكب الإيمان وموكب الجهاد؟.، ولماذا ظللتم في أماكنكم محجوزين ومحاصرين ولا تستطيعون الحركة ولا تستيطعون الفِكاك؟ وتكون إجابة الذين ظلموا أنفسهم: {قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأرض}. وبالله عندما يحكي لنا الله هذه الصورة التي تحدث يوم القيامة فهل سيكون عندنا وقت للاستفادة منها؟. طبعاً لا؛ لأنه لن يكون لنا قدرة الاستدراك لنصحح الخطأ.
والحق حين يقص علينا هذا المشهد فذلك من لطفه بنا، وتنبيه لكل منا: احذروا أن يأتي موقف ويحدث فيه ما أوضحته لكم ولن يستطيع أحد أن يستدرك الحياة ليصنع العمل الطيب.
وعلى كل منكم أن يبحث أمر نفسه الآن.
{إِنَّ الذين تَوَفَّاهُمُ الملائكة ظالمي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأرض} وكلمة {كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأرض} تفيد أن قوماً استضعفوهم، أي أنهم لم يكونوا قادرين على الخروج والهجرة ولا يعرفون السبيل إليها، وخافوا على أموالهم وديارهم، والقوم الذين استضعفوهم قالوا لهم: إن خرجتم لا تأخذوا شيئاً من أموالكم. هذه هي بعض مظاهر الاستضعاف. وهنا تقول الملائكة ما يفيد أن هذا الكلام لا يليق ولا ينفع، تقول الملائكة: {أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ الله وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا}.
وكأن هذا تنبيه آخر، وإعلان أن مثل هذا القول ومثل تلك الحجة لا قيمة لها؛ لأن الذي يمسكه مكانه وماله دون الله إنما هو من وضع وربط يقينه بالأسباب. أما الذي يضع منهج الله فوق مكانه وولده وكل شيء فهذا هو الذي وثق بالله لأنه هو المسبب وهو مانح ومعطي الأسباب.
{أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ الله وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا} وهذا القول على لسان الملائكة قادم من القانون الأعلى، فقد خلق الحق الخلق جميعاً واسكنهم في الأرض، وهذه الأرض ليست لأحد دون أحد، فمن يضق به مكان فليذهب إلى مكان آخر.
وإذا كان الإنسان من ظلمه وجبروته وعتوه قد صنع تحديدا للمكان، فلا ينتقل إنسان من مكان إلى مكان إلا بعد سلسلة طويلة من التعقيدات التي تحول دون الانتقال من مكان إلى مكان، فذلك مناقضة لقضية الخلافة في الأرض؛ لأن الخلافة لم توزع كل جماعة على أرض ما. ولكن الإنسان، كل إنسان خليفة في الأرض كل الأرض، مصداقاً لقول الحق: {والأرض وَضَعَهَا لِلأَنَامِ} [الرحمن: 10].
فقد جعل الله الأرض متضعة مسخرة مذللة للإنسان، والأرض هي أي أرض، والأنام هم كل الأنام. وإن لم ينتبه العالم إلى هذه القضية ويجعلها قضية كونية اجتماعية، سيظل العالم في فساد وشقاء. فالذي يجعل الحياة في الأرض فاسدة هو خروج بعض الآراء التي تقول: إن الكثافة السكانية تمنع أن نجد الطعام لسكان بلد ما. يقولون ذلك في حين أن أرضاً أخرى تحتاج إلى أيد عاملة، ولذلك نجد أن البشرية أمام وضع مقلوب، فأرض في بلاد تحتاج إلى أناس، وأناس من بلاد يحتاجون إلى الأرض.
ومن الواجب أن تسيح المسألة فتأخذ الأرض التي بلا رجال ما تحتاجه من الرجال من البلاد التي لا أرض فيها. وهذا الضجيج الذي يعلو في الكون سببه أنه يوجد في كون الله أرض بلا رجال ورجال بلا أرض، فإذا ما ضاق مكان بإنسان فله أن يذهب إلى مكان آخر، ولو كان الأمر كذلك لسعدت البشرية، ومن ينقض هذه القضية فعلية أن يعرف أنه ياخذ الخلافة في الأرض بغير شروطها، فالذي يفسد الأمر في الأرض أن الإنسان الخليفة في الأرض نسي أنه خليفة واعتبر نفسه أصيلاً في الكون.
وما دام قد اعتبر نفسه أصيلاً في الكون فهذا هو الفساد.
{إِنَّ الذين تَوَفَّاهُمُ الملائكة ظالمي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأرض قالوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ الله وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فأولئك مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَآءَتْ مَصِيراً} [النساء: 97].
إذن، فإن أقام الإنسان على ضيم ولم يعمل فكره وعقله ولم يطرح قضية الكون أمامه ليرى الأرض التي تسعه فيهاجر فيها فعلية أن يعرف أنه مهدد بسوء المصير؛ لأن الله قد جعل له الكون كله ليكون فيه خليفة، أمّا الذين سوف ينجون من هذا العقاب ومن تعنيف الملائكة لهم ساعة الوفاة فهم مَن يقول عنهم الحق في الآية التالية: {إِلاَّ المستضعفين مِنَ الرجال...}.

.تفسير الآية رقم (98):

{إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا (98)}
وعلينا أن نعرف أن هناك فرقاً بين (مستضعف دعوى ومستضعف حقيقي)، فهناك مستضعف قد قبل استضعاف غيره له وجعل من نفسه ضعيفاً. هذا هو (مستضعف دعوى).
أما (المستضعف الحقيقي) فهو مِن هؤلاء الذين يحددهم الحق: {إِلاَّ المستضعفين مِنَ الرجال والنسآء والولدان لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً}. هؤلاء هم المستضعفون فعلاً حسب طبيعة عجزهم من الرجال والنساء والولدان.
هل الولد من الولدان يكون مستضعفاً؟ نعم؛ لأن الاستضعاف إما أن يكون طارئاً وإما أن يكون ذاتياً؛ فبعض من الرجال يكون مملوكاً لغيره ولا يقدر على التصرف أو الذهاب، وكذلك النساء؛ فالمرأة لا تستطيع أن تمشي وحدها وتحمي نفسها، بل لابد أن يوجد معها من يحميها من زوج أن محرم لها، وكذلك الولدان؛ لأنهم بطيعتهم غير مكلفين وهم بذلك يخرجون عن نطاق التعنيف من الملائكة لأنهم لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً.
وهذه دقة في الأداء القرآني، فالإنسان مكلف بالخروج عن ظلم غيره له ولو بالاحتيال، والاحتيال هو إعمال الفكر إعمالاً يعطي للإنسان فرصة أكثر مما هو متاح له بالفعل. فقد تكون القوة ضعيفة. ولكن بالاحتيال قد يوسع الإنسان من فرص القوة. ومثال ذلك: الإنسان حين يريد أن يحمل صخرة، قد لا يستطيع ذلك بيديه، لكنه يأتي بقضيب من الحديد ويصنع منه عتلة ويضع تحت العتلة عجلة، ليدحرج الصخرة، هذه هي حيلة من الحيل، وكذلك السَّقالات التي نبني عليها، إنها حيلة.
والذي قام ببناء الهرم، كيف وضع الحجر الأخير على القمة؟ لقد فعل ذلك بالحيلة، والذي جلس لينحت مسلة من الجرانيت طولها يزيد على العشرة الأمتار، ثم نقلها وأقامها إنّه فعل ذلك بالحيلة. فالحيلة هو فكر يعطي الإنسان قدرة فوق قدرته على المقدور عليه، كذلك معرفة السبيل إلى الهجرة. وكانت معرفة الطرق إلى الهجرة من مكة إلى المدينة في زمن رسول الله تحتاج إلى خبرة حتى يتجنب الواحد منهم المفازات والمتاهات، وحينما قال الرسول بالهجرة أحضر دليلاً للطريق، وكان دليله كافراً، فلا يتأتى السير في مثل هذه الأرض بلا دليل.
ولننظر إلى قول الحق سبحانه: {فأولئك عَسَى...}.

.تفسير الآية رقم (99):

{فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا (99)}
{فأولئك} إشارة إلى من جاء ذكرهم في الآية السابقة لهذه الآية: {إِلاَّ المستضعفين مِنَ الرجال والنسآء والولدان لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً} [النساء: 98].
ومع ذلك فإن الله حين أشار إلى هؤلاء المستضعفين بحق قال: {فأولئك عَسَى الله أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ} [النساء: 99].
وكان مقتضي الكلام أن يقول الحق: (فأولئك عفا الله عنهم)، لكن الحق جاء ب (عسى) ليحثهم على رجاء أن يعفو الله عنهم، والرجاء من الممكن أن يحدث أَوْ لا يحدث. ونعرف أن (عسى) للرجاء، وأنها تستخدم حين يأتي بعدها أمر محجوب نحب أن يقع.
فقد ترجو شيئاً من غيرك وتقول: عساك أن تفعل كذا. وقد يقول الإنسان: عساي أن أفعل كذا، وهنا يكون القائل هو الذي يملك الفعل وهذا أقوى قليلاً، ولكن الإنسان قد تخونه قوته؛ لذلك فعليه أن يقول: عسى الله أن يفعل كذا، وفي هذا الاعتماد على مطلق القوة. وإذا كان الله هو الذي يقول: {عَسَى الله أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ}، فهذا إطماع من كريم قادر.
وبعد أن يذكر لنا القصة التي تحدث لكل من مات وتوفته الملائكة ظالماً نفسه بأن ظل في أرض ومكث فيها، وكان من الممكن أن يهاجر إلى أرض إيمانية إسلامية سواها؛ ومع ذلك فالذي يضع في نفسه شيئاً يريد أن يحقق به قضية إيمانية فهو معان عليها لأن الله سبحانه وتعالى يقول: {وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ...}.